أول علاج جينى فى العالم سيُطرح للبيع فى ألمانيا بمبلغ 1.1 مليون يورو (1.4 مليون دولار)! مرّ علينا الخبر مرور الكرام برغم أنه سيقلب دنيا الصيدلة وعالم الأدوية رأساً على عقب، كيف استقبلنا هذا الخبر؟ هل تم الاستعداد لهذه الثورة الطبية؟ لا أقصد الاستعداد بصناعته الآن، فهذا يتكلف مليارات فوق طاقة بلد فقير مثلنا، لكنى أقصد الاستعداد للتعامل مع هذه الثورة والتعلم من مخترعيها والاعتراف بأننا فى أشد الحاجة للتعاون معهم والإسراع مثلما فعلت إسرائيل بتطبيق الشراكة فى التجارب الإكلينيكية والتخلص من وهم أننا حيوانات تجارب إلى آخر هذا الهراء الذى لم يعد مقبولاً ولا ساكناً إلا فى أذهان أصحاب الهلاوس والخرافات، فلا يمكن لشركة أن تضحى بسمعتها بالسماح لدولة نامية أن تزيف وتلخبط نتائجها التى تجريها فى مناطق أخرى من العالم، ففى النهاية ستقول بأعلى صوت: «بناقص البلد دى وصداعها واتهامات فضائياتها وفتاويها»، هذا الخبر يعنى أنه بعد سنوات قليلة سنقول وداعاً لرفوف الأدوية القديمة الكلاسيكية، فالأدوية ستكون عبارة عن قص ولزق للجينات المعطوبة التالفة وإحلال الجينات السليمة بدلاً منها، والبداية هذا الدواء «جليبيرا»، الذى تنتجه شركة التكنولوجيا الحيوية الهولندية «يونيكيور» وشريكتها الإيطالية للتسويق «كيزى»، يعالج هذا الدواء الجديد مرضاً جينياً نادراً جداً يسمى «نقص (إنزيم) ليباز البروتينى الشحمى»، والذى يؤدى إلى انسداد شرايين الدم بسبب الدهون، ويتكون العقار الجديد من فيروس معدل غير ضار يحمل جينات تصحيحية إلى خلايا الجسم. الثورة المقبلة للعلاج الجينى ستكون لعلاج السرطان والأمراض الوراثية، إدخال الجينات إلى الخلايا السرطانية واحد من أهم الآمال والأحلام المقبلة، باختصار تدخل الجينات عادة إلى الخلايا السرطانية من خلال ناقلات. أشهر الناقلات استخداماً فى العلاج الجينى هى الفيروسات بسبب قدرتها على دخول الخلية وإدخال مادتها الوراثية فى داخل الخلية المصابة، حيث تُدخل الفيروسات مادتها الوراثية بالإضافة إلى الجين المطلوب، وعندما يتحول هذا الجين إلى بروتين فى داخل الخلية المصابة يظهر التاثير العلاجى المطلوب. وقد تم عمل تعديلات على الفيروسات بحيث تقوم بهذه الوظيفة بدون أن تسبب مرضاً حاداً ولكن تبقى أعراض بسيطة لهذه الطريقة كون بقايا الفيروس تستحث جهاز المناعة فتظهر أعراض بسيطة تشبه أعراض الإصابة بمرض الإنفلونزا، بالإضافة إلى الطريقة السابقة تم استخدام طرق أخرى غير فيروسية من ضمنها تغليف العلاج بمركبات دهنية (liposomes)، وهذه المركبات قادرة على دخول الخلية من خلال قدرتها على العبور من خلال غشاء الخلية، أيضاً هناك طريقة أخرى وهى تغليف الدواء بمواد كيميائية لها مستقبلات على سطح الخلية، وبمجرد ارتباطها بالمستقبل يتم إدخال الدواء إلى داخل الخلية المستهدفة. أخطر أنواع الاحتكارات هو احتكار العلم، ونحن يوماً بعد يوم نُدفع دفعاً إلى «كورنر» حرج، الجهل من أمامنا والفقر من ورائنا، نمد يد التسول إلى العالم المتقدم ونحن محمّلون بكراهية منهجه العلمى، نروّج لنظرية التآمر بينما يقل احتياج هذا العالم إلينا رويداً رويداً، يحدد أسعار أدويته كما يحلو له لأن الدواء ليس مادة خام، بل هو أبحاث تكلفت مليارات ولا بد أن يستعيدها وهذا حقه، رد فعلنا هو الهجوم ووصف هذه الشركات بالذئاب التى تنهش الفقراء ولا نسأل أنفسنا: لماذا لم نخرج من هوة هذا الفقر والتخلف بالعلم؟ نحن نريد الانتقاء والتعامل مع العلم بالقطاعى، ونجهل أن العلم «باكيدج» على بعضه، إما أن تأخذ منهجه كله أو تتركه كله، وأولى خطوات وقواعد منهجه حرية السؤال والبحث بلا سقف وأن من يحدد نجاح وصدق العلم هى تجارب العالم لا فتاوى الفقيه، إذا رضينا بذلك سننجح وإذا رفضنا ستكون هذه الأدوية الجينية بالنسبة لنا مثلها مثل العنقاء والغول والخل الوفى، نسمع عنها فى الأساطير فقط.